التحريك الحراري (الترموديناميك)
علم التحريك الحراري (الترموديناميك) thermodynamics هو فرع من الفيزياء تتم فيه دراسة تحولاتٍ تجري في أجسام مادية، وتؤدي فيها درجة الحرارة في الغالب، دوراً أساسياً.
نشأ التحريك الحراري عند دراسة تحسين مردود المحركات الحرارية التي يستمد منها اسمه، لكنه مالبث أن شمل فروع الفيزياء الأخرى وعلوماً مختلفة كالكيمياء وعلم الحياة وامتد إلى فرع المعلوماتية. وهو يتناول الآن معظم التحولات التي تجري في الطبيعة ويحكمها، واكتمل بناؤه علماً يقوم على مبادئ محدّدة في بداية هذا القرن، فقام على ثلاثة مبادئ يضيف إليها بعضهم مبدأ رابعاً سُمّي المبدأ الصفر.
تتناول هذه المبادئ الجمل (النظم) systems من وجهة نظر جهرية macroscopic، وسمي هذا العلم لذلك «الترموديناميك التقليدي» classical thermodynamics. وبعد ظهور البنية الذرية للمادة، ومحاولة الربط بين سلوك الذرات منفردة وسلوكها وهي جماعات (أجسام)، تزاوجت مفاهيم الإحصاء والميكانيك في «الميكانيك الإحصائي» الذي أغنى الترموديناميك وأعطى تفسيرات جديدة لمبادئه، واعتُمدت استناداً إلى ذلك مبادئ جديدة تعد أساساً لما يسمّى الترموديناميك الإحصائي statistical thermodynamics. وإن دخول الترموديناميك الفروع المختلفة في الفيزياء دفع بعضهم إلى تسميته الفيزياء الحرارية أو الفيزياء الإحصائية، كما أن وجود تطبيقات كثيرة للترموديناميك في الكيمياء ووفرة ما يتنبأ به عن التفاعلات أدى إلى ظهور ما يعرف بالترموديناميك الكيميائي.
مبادئ الترموديناميك التقليدي أو قوانينه classical thermodynamics principles or laws
أدخل الترموديناميك مفهومات خاصة به مثل الخزان الحراري heat roservoir أو المنبع الحراري heat source الذي يفترض فيه عدم تغير خواصه عند تبادل الطاقة مع الجملة الترموديناميكية التي تُعرّف بأنها أي جزء من الكون يقتطع لتتم دراسته، ويسمى ما تبقى من الكون عندئذ الوسط الخارجي، فهي تعميم للجسم المدروس. وإذا كانت الجملة الترموديناميكية لا تتبادل المادة مع الوسط الخا-رجي قيل إنها مغلقة، أما في الحالة المعاكسة فتوصف بأنها مفتوحة. كذلك حدّد الترموديناميك طريقة معينة مستقلة عن الإحساس البشري لتحديد درجة الحرارة، وفرّق بين درجة الحرارة وكمية الحرارة، وحدّد أن الجملة تكون في طور وحيد إذا تغيَّرت خواص الجملة تغيراً مستمراً فيها، ويزداد عدد الأطوار إذا حدث انقطاع أو أكثر في بعض خواص الجملة. وقد صيغت المبادئ الأساسية من أجل جملة متجانسة في طور واحد ثم نوقشت الجملة في أطوارها المختلفة. وتربط هذه المبادئ بين المقادير في حالات توازنية، وتدرس العلاقات بينها فيما يسمى أحياناً الترموديناميك التوازني. وهناك قوانين أخرى تتناول دراسة التفاعلات الكيمياوية وسرعاتها فيما يسمى الترموديناميك اللاتوازني. وفيما يلي المبادئ الأساسية:
آ ـ المبدأ الصفر: يتيح هذا المبدأ استخدام موازين الحرارة (مقاييس درجة الحرارة) للمقارنة بين حالات الجمل المختلفة وينص على ما يلي: إذا كان جسم أول A متوازناً حرارياً مع جسم ثانٍ B، وكان الجسم الثاني B في توازن حراري مع جسم ثالث C فإن الجسم A يكون أيضاً في توازن حراري مع C.
ب ـ المبدأ الأول أو مبدأ التعادل (التكافؤ) principle of equivalence: ظهر هذا المبدأ على أنقاض نظرية حفظ السائل الحراري caloric fluid التي وضعت لتشرح ما يحدث عند تماس جسمين مختلفين في درجة الحرارة، فهي تفيد بأن سائلاً حرارياً ما يسري من الجسم الأسخن إلى الجسم الأبرد حتى يحدث تساوي درجتي حرارتيهما. وقد لاحظ ب طمْسون B.Thompson (الملقب بالكونت رمْفورْد) عام 1798م ارتفاع درجة حرارة أسطوانة المدفع عند خرطها في حين لا يكون هناك جسم حار يزوِّدها بالسائل الحراري وفق النظرية السابقة. ووضح بذلك إخفاقها، وتأكد هذا عندما قام هَمْفري دِيفي Humphry Davy بدلْك لوحين من الجليد أحدهما بالآخر فبدأا بالذوبان على الرغم من كون درجتي حرارتهما واحدة، وقد اقترح طمسون بعد هذا أن الحرارة ليست إلا نمطاً من أنماط الطاقة. لكن هذه الفكرة لم تحظ بالاهتمام الكافي وبقيت منسية حتى قرابة عام 1850م، أي حتى قيام العالم الإنكليزي جول[ر] Joule بقياسات كمِّية برهن فيها على التعادل بين كمية الحرارة الناتجة من عملٍ والعملِ نفسه، واستخلص قيمة المعادل الميكانيكي للحريرة. (والحريرة calorie هي واحدة كمية الحرارة وهي مما خلّفته نظرية السائل الحراري)، ولكن غالباً ما تقدَّر كمية الحرارة الآن بالجول (وهو واحدة العمل). وفي الوقت نفسه قام العالم الألماني ماير R.Mayer بحساب الفرق بين السعتين الحراريتين: السعة الحرارية تحت ضغط ثابت والسعة الحرارية في حجم ثابت، وبيَّن أن هذا الفرق هو نتيجة صرف عمل معادل (للتغلب على الضغط)، فتوصل إلى قيمة تقارب القيمة التي حصل عليها جول. وتعد صيغة التعادل بين الطاقة الميكانيكية (العمل) والطاقة الحرارية إحدى صيغ المبدأ الأول. غير أن هذا المبدأ يتضمن فكرة أخرى هي تعريف تابع الطاقة الداخلية internal energy للجملة المدروسة. فإذا ما تبادلت جملة ترموديناميكية مع الوسط الخارجي كمية من الحرارة Q وعملاً W في تحولات ترموديناميكية مختلفة بين الحالتين نفسيهما (أي على طرق مختلفة بين الحالتين) فإن المجموع الجبري لهما يبقى ثابتاً، ويكتب مساوياً للفرق بين قيمتي تابع الطاقة الداخلية E.
وقد اصطُلح على أن تكون إشارة كلٍ من Q وW موجبة إذا ما دخلت إلى الجملة، كأن تمتص الجملة كمية من الحرارة، وسالبة فيما إذا خرجت منها، كأن تعطي الجملة كمية من الحرارة إلى الوسط الخارجي (ويصطلح بعضهم اصطلاحين مختلفين لكلٍ من كمية الحرارة والعمل المتبادلين فيظهر القانون في صيغة ΔE = Q - W ويُنظر إلى هذا القانون على أنه مبدأ حفظ الطاقة إذا قامت الجملة بدورة مغلقة، فيكون المجموع W+Q منعدماً ومن ثم يكون: E2=E1. كذلك يُعبَّر عن هذا المبدأ أحياناً باستحالة صنع محرك دائم ينتج عملاً من لا شيء، وذلك بالنظر لما يحدث في دورة كاملة فلا بد للجملة إذا ما قدمت عملاً (W-) أن تمتص حرارة.
ويُعدّ هذا المبدأ أحياناً أخرى ناجماً عن ضم مبدأ حفظ الطاقة الميكانيكية ونظرية حفظ السائل الحراري إذ يخفق حفظ أي منهما على حدة في حين يكون مجموعهما محفوظاً. ويذهب الفيزيائيون إلى الاعتقاد بأن مبدأ حفظ الطاقة من المبادئ الأساسية في الطبيعة، وكلما ظهر ما يناقضه بادروا إلى تعريف طاقة جديدة، فعندما ظهر مثلاً ما يخرق مبدأ الحفظ هذا في التفاعلات النووية افتُرض وجود الطاقة الناتجة عن نقصان الكتلة ومن ثم التعادل بين المادة والطاقة، وبقي قانون حفظ الطاقة سارياً، ويعد الآن الصيغة النهائية للمبدأ الأول.
جـ ـ المبدأ الثاني: تناول هذا المبدأ في أول ظهوره عمل المحركات الحرارية والمبرِّدات، أي تحويل الحرارة إلى عمل وانتقال الحرارة. فوضع حداً أعلى لمردود المحركات الحرارية وبيَّن طرائق تحسين أدائها؛ ولهذا المبدأ صيغ عديدة يمكن البرهان على تكافئها بمحاكمة منطقية. وعلى الرغم من أن اختراع المحرك البخاري يعود إلى العام 1765م من قِبل جيمس واط James Watt فإن ظهور القانون الثاني الذي يبيّن سلوك المحركات الحرارية تأخر حتى منتصف القرن التاسع عشر، عندما أعلن عنه كلٌ من كلاوزيوس[ر] (1850م) Clausius وكلفن[ر] Kelvin في صيغتين مختلفتين. وتنص صيغة كلفن على «استحالة استخلاص عمل ميكانيكي بأي وساطة مادية، من أي جزء من المادة، بتبريده إلى درجة حرارة أخفض من أخفضِ درجات حرارة الأجزاء المحيطة به». أما صيغة كلاوزيوس فتنص على «أنه يستحيل انتقال كمية من الحرارة من منبع بارد إلى منبع أسخن منه تلقائياً، أي من غير الاستعانة بمنبع طاقة خارجي». وأما صيغة بلانك Planck فتنص على «استحالة صنع محرك يعمل في دورة كاملة تكون نتيجتها الوحيدة إنجاز عمل ميكانيكي بتبريد منبع حراري وحيد». وهي صيغة تعني استحالة صنع آلة دائمة الحركة من النوع الثاني تعمل على منبع وحيد. وتشترك هذه الصيغ الثلاث في كونها صيغاً نافية، ويسوِّغ صدقها بطريقة نقض الفرض. وقد حاول أحد المهندسين اللامعين هو المهندس سادي كارنو[ر] Sadi Carnot معالجة مردود المحركات معالجة نظرية وانتهى إلى صيغة للمبدأ الثاني سميت باسمه عام 1824م أعيد اكتشافها وصوغها فاستخدمت للتوفيق بين الصيغ المختلفة.
مراجع للاستزادة:
ـ عبد الله واثق شهيد، الترموديناميك التقليدي، الجزء الأول (مطبعة جامعة دمشق 1968).
ـ ف.ماندل، الفيزياء الإحصائي، ترجمة عوض، دربرش، بغدادي (مديرية الكتب الجامعية، مطبعة جامعة دمشق 1978).
- M.W.Zemomsky, Heat and Thermodynamics International Student Edition (Mc Graw Hill 1957